كثيرون يدّعون سماع أصوات ناتجة عن الشفق القطبي.. ما حقيقتها؟
وسط هدوء ليلة شتوية في منطقة كندية نائية على طريق ألاسكا السريع، تردّد صدى صوت احتراق في وادي “ماكدونالد”، حيث اتجه المصور، رايان ديكي، بسيارته لتصوير الأضواء الشمالية.
وحدث ذلك خلال المساء الذي تبع عرضاً نشطاً بشكل خاص لتلك الظاهرة السماوية الشهيرة فوق منزل ديكي، في شمال كولومبيا البريطانية.
وقرر المصور البالغ من العمر 36 عاماً، والذي ينتمي للسكان الأصليين الذين يُسمون بـ”Dene”، الذهاب إلى مكان بعيد عن أي تلوث ضوئي لتصوير هذه الظاهرة في السماء.
ولكن أثناء خروجه في الليل البارد لضبط إعدادات الكاميرا، كان الصوت الذي سمعه هو ما فاجأه.
وسبق أن سردت جدة ديكي له قصة خلال فترة طفولتها عن قطعة الأرض بالقرب من نهر “ليارد”، وتمحورت القصة حول “إصدار الأضواء الشمالية أصوات طقطقة، تحاكي ما يصدره المرء عند مناداة كلبه”، وفقاً لما قاله.
ولكن، عندما سمعها ديكي أخيراً، كان الصوت مختلفاً.
وسمع المصور صوتاً يشبه قطعة لحم، وُضعت على مقلاة حتى تُطهى.
الاستماع إلى السماء
ويمكن أن تظهر الأضواء الشمالية، المعروفة أيضاً باسم الشفق القطبي، في المجال المغناطيسي للأرض على شكل تكوينات باهتة بيضاء، أو خضراء تشبه الغيوم، أو حتى ستائر من الألوان التي تظهر مثل دوامات خضراء، ووردية، وأرجوانية في السماء.
وهناك تقارير لا حصر لها عن أشخاص سمعوا أصواتاً عند رؤية الشفق القطبي أيضاً في أماكن مثل منطقة القطب الشمالي في ألاسكا، والقطب الشمالي في كندا، وشمال النرويج، ومنطقة لابلاند الفنلندية، وغيرها من المناطق الشمالية في الكوكب، حيث تُرى هذه الظاهرة بانتظام.
ورغم أن الروايات التي تشبه ما ذكره ديكي ليست غريبة بين السكان الأصليين، وغير الأصليين الذين يعيشون بالأماكن التي تحتضن الأضواء الشمالية بانتظام، إلا أنه لم يكن هناك حتى الآن سوى القليل من الأبحاث العلمية حول هذه الظاهرة.
وقال أستاذ مشارك، وباحث في المعهد الجيوفيزيائي بجامعة “ألاسكا فيربانكس”، دونالد هامبتون، الذي يدرس فيزياء الفضاء، والشفق القطبي، والتفاعلات الشفقية مع الغلاف الجوي العلوي: “إذا فكرت في الأمر من الناحية المادية، فلا توجد طريقة في الواقع لسماع أصوات من الشفق القطبي نفسه”.
ويعود السبب وراء ذلك إلى حدوث ظاهرة الأضواء الشمالية بين 60 و100 ميل فوق سطح الأرض، ويستغرق الصوت عدة ثوانٍ لقطع مسافة ميل واحد، بحسب ما قاله هامبتون.
وإذا كانت الأصوات قادمة من الأضواء الشمالية نفسها، فسيستغرق سماعها مدة تتراوح من 5 إلى 10 دقائق على الأرض.
ومع ذلك، لا يستبعد هامبتون النظرية التي تنص على أن الأضواء الشمالية يمكن أن تكون مسؤولة عن الصوت الذي يدعي الأشخاص أنهم يسمعونه.
واحدة من النظريات
وسمع الأستاذ الفخري في الصوتيات بجامعة “ألتو” في فنلندا، أونتو لين، صوتاً مصاحباً للشفق القطبي لأول مرة عند زيارته لقرية “Saariselkä” النائية في شمال فنلندا بعام 1990، لحضور مهرجان موسيقى للجاز.
واقترح لين لأصدقائه الأربعة الاستماع لهدوء المنطقة، ولكن مع تزيين الشفق القطبي للسماء فوقهم، سمع 3 من أصدقائه أصواتاً ناعمة تشبه “انفجار فقاعات الصابون”، بحسب ما ذكره لين.
وقال لين إنها تجربة ظلت في ذاكرته، وخاصةً بوجود قصص الأشخاص الذين أبلغوا عن أصوات مرتبطة بالأضواء الشمالية.
ولدى لين، الذي قضى معظم حياته المهنية في دراسة ظاهرة الأصوات، نظرية نُشرت في عام 2016 حول ما يسمعه ويربطه الأشخاص بالأضواء الشمالية.
وتفترض فرضيته الخاصة بطبقة انعكاس درجة الحرارة أن الصوت الذي يربطه الأشخاص بالأضواء الشمالية يأتي في الواقع من التفريغ الكهربائي على ارتفاعات منخفضة تبلغ حوالي 70 و90 متراً.
وبحسب نظريته، تنبعث تلك الشرارات من الشفق القطبي خلال الطقس الهادئ والصافي، وعندما يتم إنتاج طبقة عاكسة لدرجة الحرارة، أو طبقة في الغلاف الجوي يصبح فيه الهواء ساخناً مع زيادة الارتفاع، بدلاً من أن يصبح بارداً كلما ارتفع.
وأمضى لين عقوداً في تسجيل الأصوات باستخدام 3 ميكروفونات، وهوائي حلقي “VLF”، أي بتردد منخفض جداً، متصل بمسجل رقمي رباعي القنوات.
وخلال الأمسيات الصافية، قال لين إن شحنات الفضاء تتراكم على طبقة الانعكاس، أي شحنات موجبة من الغلاف الجوي العلوي، وشحنات سالبة من الأرض.
وتؤدي العاصفة المغناطيسية التي تسبب الأضواء الشفقية إلى تحفيز هذا التفريغ، وإطلاقه في الطبقة العاكسة، وينتج عن ذلك أصواتاً مسموعة، بحسب ما قاله لين.
وقال هامبتون إن نظرية لين “ليست خارج نطاق الاحتمال”.
وساهمت نظرية لين في إلهام مشروع علمي جديد سينطلق هذا الصيف بالقرب من “Jyväskylä” في فنلندا، وخلاله، سيبدأ متطوعون في مرصد “Hankasalmi” بتسجيل الأصوات المحتملة المرتبطة بالشفق القطبي على مدار 24 ساعة في اليوم، ولأول مرة، وباستخدام أربعة ميكروفونات بدلاً من ثلاثة.
والمشروع ممول جزئياً من قبل الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دعم 200 متطوع محلي.
ويأمل رئيس المرصد، أرتو أوكسانين، أن تتمكن تلك الميكروفونات من تحديد مصدر الصوت للمساعدة في إثبات أو دحض نظرية لين.
واعترف أوكسانين ، الذي قال إنه “منفتح تجاه أي شي”، بأنه “يشكك بعض الشيء” من فكرة إصدار الأضواء الشمالية الأصوات، إذ أنه قضى مئات الساعات في مشاهدتها دون سماع أي شيء.
ومقارنةً بالإعدادات المحمولة التي استخدمها لين عند التسجيل حتى الآن، فهي ستكون موجودة بشكل دائم في المرصد، و”ستسمح لنا بجمع المزيد من البيانات”، بحسب ما قاله أوكسانين.