هيثم جمعة: كفّوا أيديكم عن ودائع المغتربين
على مدى سنوات، عايش هيثم جمعة المغتربين اللبنانيين من موقعه كمدير عام المغتربين في وزارة الخارجية. خبز قضاياهم وعجنها فاستحال خبيراً في شؤونهم وشجونهم. رجل أبى مغادرتهم، وإن تقاعد، فأطل عليهم من نافذة المنتدى اللبناني للهجرة والتنمية الذي يرأسه. يتابع تفاصيل أفراحهم وأتراحهم يومياً من دون أن يكلّ أو يملّ من الاستمرار في المطالبة بحقوقهم، ونقلها إلى دوائر القرار داخل لبنان وخارجه.
الحديث مع جمعة يشبه القراءة في كتاب تاريخ عن المغتربين اللبنانيين في كل بقعة من بقاع الأرض، من أميركا بشقيها الشمالي والجنوبي، إلى أوروبا بشرقها وغربها، مروراً بالعالم العربي وآسيا، وصولاً إلى القارة السمراء، حيث لا يشبه الاغتراب اللبناني هناك أي اغتراب آخر، وإن كان ثمّة نقاط مشتركة تجمع بين كل المغتربين اللبنانيين، إلا أن للوجود اللبناني في أفريقيا ميزة هي: شقاء بنكهة العلقم، لكن على الرغم من ذلك فقد تحوّل المغتربون اللبنانيون هناك إلى جزء من نسيج المجتمع الأفريقي، وضرورة لاقتصاداته، يستثمرون بمليارات الدولارات ويشغّلون الآلاف من أبناء الدول الأفريقية. فكيف حال المغتربين اللبنانيين في ظل الأزمتين الاقتصادية والمالية المحلية وكورونا العالمية؟
رئيس المنتدى اللبناني للهجرة والتنمية هيثم جمعة إلى “أوّلاً-الاقتصاد والأعمال”:
المغتربون كنز وعلى الحكومة والمصارف و”البنك المركزي” تحمل مسؤولياتهم تجاههم
“الاغتراب اللبناني اليوم في أزمة عميقة ناتجة عمّا يجري في لبنان، هذا الاغتراب الذي كنّا نقول إنه قرشنا الأبيض ليومنا الأسود، لم نترك له قرشاً، لم نترك للمغتربين اللبنانيين أي أمل في بلدهم”، هكذا يبدأ جمعة حديثه الخاص إلى “اوّلاً-الاقتصاد والأعمال”، ثم يستفيض في شرح أوضاع المغتربين، يقول:اللبنانيون في الخارج مخلصون لوطنهم ومتعلقون به، لكن المؤسف هو أنه على الرغم من كل المؤتمرات التي نظّمت والقصائد التي ألقيت في مديحهم ومقولات التحفيز والدعم، رأينا أن القرش الأبيض قد أُكِل، فهؤلاء الذين قيل لهم إن لبنان هو ملاذكم وأمانكم في فترة من الفترات، بحثوا عن ودائعهم وأموالهم فلم يجدوها والآن هم في حيرة من أمرهم، هؤلاء الذين كانوا يرسلون نحو مئة مليون دولار شهرياً إلى ذويهم حتّى في ظل الأزمة الاقتصادية، ونحو 51 في المئة من اللبنانيين يصرفون من خيراتهم، وضعنا يدنا على أموالهم وكأننا نقول لهم: لا ترسلوا أموالكم إلى لبنان، واليوم نحن لا نعرف من هو وراء هذه المهزلة إن صحّ التعبير.
إذاً، المغتربون اللبنانيون المنتشرون في أكثر من مئتي دولة يعانون اليوم على أكثر من صعيد، فالأزمة العالمية أثرت عليهم إلى حد كبير، أمّا أزمة بلدهم، بحسب جمعة، والتصويب السياسي عليهم وضعهم في موقف محرج، ثم جاءت أزمة كورونا فجعلتهم في وضع لا يُحسدون عليه، وهنا علينا اليوم قبل الغد أن نعمل على مراضاتهم وأن نقف على خاطرهم ونعيد إليهم حقوقهم المسلوبة، الحق المسلوب ليس فقط الجنسية، بل هو أيضاً المال الذي تعبوا فيه في بلدان الاغتراب.
ويضيف جمعة: “لنأخذ أفريقيا على سبيل المثال، اللبنانيون هناك يعانون من المناخ ومن ظروف العمل والملاريا ومن الأوبئة، ويعيشون في ظروف صعبة، وعلى الرغم من كل ذلك، قلبهم في لبنان وروحهم متعلقة به، وحتى هذه الساعة هم يهتمّون بقراهم وعائلاتهم وهم مخلصون لهذا البلد أكثر من أولئك الموجودين في داخله”.
المغتربون اللبنانيون في ظل كورونا
لم يميّز فيروس كورونا بين دول غنية وأخرى فقيرة، مثلما لم يميّز بين إنسان وآخر، وهنا، فإن بلدان الاغتراب لا تختلف كثيراً عن لبنان، يوضح جمعة: هناك بلدان انتشر الفيروس فيها بوتيرة مرتفعة مثل أوروبا وأميركا، وهناك دول لا يزال التفشي فيها منخفضاً، وبالنسبة إلينا في لبنان فقد قطعنا مرحلة الخطر، لذا يجب علينا الالتفات إلى المغتربين لإعادتهم، لا أن نتعامل معهم فقط عند الحاجة إلى أموالهم أو لدى دعوتهم إلى الاستثمار في بلدهم، فيما نتخلى عنهم عندما يكونون في حاجة إلينا فنمتنع عن مساعدتهم. إذاً، ماذا عن دور الحكومة؟ يجيب: الحكومة تقوم بدور معيّن من أجل إعادة المغتربين لكنه غير كاف، صحيح أن تعاملها يبدو جيداً، لكن أيضاً لا يجوز التصرف وكأن لا أزمة هناك، أي أن نرسل طائرة كل أسبوع لإحضار عدد قليل من المغتربين من هنا وهناك من دون خطة عمل واضحة، ويستطرد: لاحظنا أن من بين الفي مغترب تمت إعادتهم، فإن العملية لم تخلق أزمة إصابات، إذ تمّ تسجيل عدد محدود جداً في صفوفهم، وهذا يعود إلى أمرين، الأول، حرص المغتربين على أنفسهم وصحتهم، والثاني الإجراءات المتبعة في الدول المتواجدين فيها، ولذلك ندعو إلى فتح المجال لعودة المغتربين بوتيرة أكبر. اليوم هناك جدول مفصل يمتد على مراحل ما بين 27 الشهر الحالي وحتى 7 أيار/مايو المقبل، وهذه بادرة جيدة وقد يكون أساسها نجاح تجربة إعادة الدفعة الأولى. وفي سياق العودة، يطالب جمعة باعتماد خطة سريعة لبدء إجلاء المغتربين من الدول التي فيها تفش اقل لفيروس كورونا كالبلدان الأفريقية، ثمّ نتفرغ إلى الدول الأخرى. ويخلص في هذا المحور إلى أن رغبة المغتربين في العودة تنطلق من الأمان الذي يشعرون به في وطنهم، خصوصاً أن منهم من فقد حياته عندما أصيب، كاللبنانيين اللذين توفيا في أفريقيا.
ماذا عن الذين لا يرغبون في العودة؟
يجيب جمعة بأن هناك ظلماً يلحق بالمغتربين، خصوصاً الطلّاب منهم، فهؤلاء يحتاجون إلى تحويلات مالية ليصمدوا، لكن عملية التحويل هذه دونها عوائق ومصاعب جمة، تتعلق بسعر صرف الدولار، فالمصارف لا تقبل إلا باعتماد سعر صرف السوق أو تطلب إلى من يرغب بالتحويل شراء الدولار من السوق، وبصراحة هذا ضد المنطق والشرف والأخلاق. ويضيف أن الذين لا يرغبون في العودة حالياً يجب أن ندفع لهم أموالهم كما هي، وهنا أعود على التعميم الجديد الذي أصدره مصرف لبنان ولا افهمه، إذ كيف يفرض تسليم التحويلات المالية بالليرة اللبنانية، إذا قام مغترب ما بإرسال حوالة بالدولار أو بأي عملة كيف سيستلمها بالليرة؟ لماذا لا تدفع التحويلات بالعملة التي تمت بها؟ وعليه، لا بدّ من الإشارة إلى أن هناك نحو مليار و 200 مليون دولار تحوّل سنوياً إلى لبنان فقط للصرف، هذه أموال تدخل إلى لبنان ويستفيد منها لأنها تصرف فيه، وهناك حقيقة مثبتة بأن 51 في المئة من اللبنانيين يعيشون على التحويلات من الخارج”، لكن هل يمكن لشركات التحويل أن تؤمن الدولار، يردّ جمعة: هذه أموال تأتي من الخارج وسبق لهذه الشركات ان أمنتها فكيف كانت تقوم بذلك؟.
كيف يمكن حل مشكلات المغتربين؟
بالنسبة إلى أزمة كورونا، فإن المطلوب خطة عمل بحسب القارات، أمّا وأن هذه الازمة قد تكون عابرة، فإن المشكلة الأكبر تكمن في ودائع المغتربين في المصارف اللبنانية. يشدد جمعة على أن أي حلّ ينطلق اوّلاً من رفض الهيركات، إذ يجب ان نحافظ على هذه الودائع ليس بمجرد الكلام، بل من خلال خطة واضحة، فالدولة ومصرف لبنان والمصارف يجب عليهم تحمّل المسؤولية، فهذه الأطراف الثلاثة مسؤولة عن مال المغتربين الذين أودعوه في المصارف التي قامت إمّا بإقراضها إلى الدولة أو إلى مصرف لبنان، الآن المطلوب من هذه الأطراف أن تتفق حول كيفية إجراء الهيركات الذي لا يجب ان يكون على الودائع بل على الفوائد التي استفاد منها البعض بمبالغ هائلة، وبالتالي فإن المطلوب خطة تتقاسم فيها الدولة والبنك المركزي والمصارف المسؤولية، ويتابع: “عاشوا بعز وأخذوا فليعيدوا الأموال الى أصحابها”.
ويختم رئيس المنتدى للبناني للتنمية والهجرة هيثم جمعة كلامه بدعوة الجميع إلى تحمل مسؤولياته تجاه المغتربين، محذراً من أن هناك مبالغ تحوّل إلى لبنان قد يخسرها البلد إذا لم تُكف اليد عن ودائع المغتربين، لذا يجب بناء جسر من الثقة مع المغتربين لطمأنتهم بأن وطنهم وأموالهم ووطنهم في خير، فانعدام الثقة لن يبقي من “يؤمّن لبنك في لبنان”.