عون لسبوتنيك: التواصل مفتوح مع روسيا وقضية النازحين يلزمها حل نحتاج إلى دعم فوري لأن قدرة الشعب على الصمود تضاءلت مع تفاقم الأزمة المالية
رأى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن “أزمة لبنان الحالية لها ثلاثة وجوه، تركت جميعها تداعيات كارثية على الواقع في بلدنا: أزمة وجود النازحين السوريين بكثافة على أرضه مع تأثيراتها الفادحة على اقتصادنا، وأزمة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعمل الحكومة جاهدة على مواجهتها، وأزمة وباء كورونا التي أثقلت في الأشهر الأخيرة على الوضع الاقتصادي المتردي أصلا”.
وأكد “اننا أخذنا قرارا بمساعدة انفسنا، مع توقعنا الحصول على دعم دولي مواز يساندنا للخروج من النفق الحالي”، مشيرا الى “انه مرت علينا حقبة طويلة من السياسات الاقتصادية الخاطئة، المتواكبة مع فساد على مستوى السلطة، وترهل إداري، وفقدان المواطن اللبناني ثقته بدولته. والحكومة الحالية المكونة من اختصاصيين غير مسيسين، أعلنت برنامجا اقتصاديا لانتشال لبنان من الانهيار الذي وصل إليه”.
وإذ شدد الرئيس عون على “اننا ندرك تماما أن بداية نهوض لبنان تحتاج إلى دعم من أشقائه وأصدقائه، وروسيا، كدولة عظمى وصديقة تاريخية للبنان، بإمكانها أن تشارك في الكثير من الخطوات لدعم خطة النهوض التي وافق مجلس الوزراء عليها وسنعمل على تطبيقها، سواء كان ذلك عبر الودائع أو القروض الميسرة والطويلة الأجل التي يمكن أن تمنحها لنا”، فإنه اشار الى “ان قنوات التواصل مفتوحة باستمرار بين لبنان وروسيا، والمسؤولون في روسيا باتوا على معرفة تامة بمشاكل لبنان وحاجاته، وأنا على ثقة بأنهم سيتخذون قريبا القرار المناسب في شأن مساعدة لبنان”.
ورأى أننا “نحتاج إلى العمل السريع، والدعم الفوري، لأن قدرة الشعب اللبناني على الصمود تضاءلت بشكل كبير، مع انتشار البطالة، وتفاقم الأزمة المالية، وتدهور سعر صرف العملة الوطنية”.
كلام رئيس الجمهورية جاء في خلال مقابلة اجرتها معه وكالة “سبوتنيك” الروسية الواسعة الانتشار تناول فيها الاوضاع اللبنانية اضافة الى العلاقات اللبنانية – الروسية.
مكافحة وباء كورونا
سئل الرئيس عون عن وقوف روسيا الى جانب لبنان في مواجهة وباء كورونا، فقال: “نحن بالطبع منفتحون على أي مساعدة ممكنة في معركتنا ضد وباء كورونا، وخصوصا في مجال تعزيز مخزوننا من فحوص PCR ، لنتمكن من اجراء اكبر عدد ممكن من الفحوص العشوائية” ، مؤكدا أن “مواجهتنا مع هذا الوباء العالمي، ناجحة حتى الآن، ونأمل الاستمرار في السيطرة على انتشاره، وصولا إلى القضاء عليه، وذلك بفضل الجهود الكبيرة والخطة العلمية التي انتهجتها الحكومة والتي كانت محل تقدير منظمة الصحة العالمية”.
وقال: “اننا في هذه المواجهة، التي لا نعرف بدقة المدى الزمني الذي ستستغرقه، بحاجة إلى دعم دولي صحي ومالي أيضا، بسبب التأثيرات الكارثية التي خلفها الوباء على قطاعات الانتاج والعمل في لبنان. ونأمل أن يصل صوتنا إلى دولة روسيا الصديقة”.
العلاقات اللبنانية – السورية
وعن التعاون الروسي -اللبناني في التعامل مع أزمة النازحين السوريين قال: “نحن على تواصل مع روسيا حول هذا الملف، وخصوصا بعد المبادرة التي طرحتها لتسهيل عودة النازحين إلى بلادهم. ولكن مع الأسف، اصطدمت هذه المبادرة بعراقيل دولية حالت دون تحقيقها، وبالتالي تفاقمت أوضاع لبنان جراء ذلك. نحن نعتبر أن لبنان وروسيا لديهما نظرة متقاربة إلى ملف النازحين السوريين، ونعول على هذا التقارب، لتغيير الإرادة الدولية بإبقاء النازحين في الدول التي لجأوا اليها، بانتظار حل شامل للأزمة في سوريا، وهو حل قد يطول جدا، ما يؤدي في النهاية إلى نتائج كارثية على الدولة اللبنانية، على غرار انتظار الفلسطينيين لحل سياسي لقضيتهم منذ أكثر من 72 عاما”.
وعن المعلومات التي ترددت قبل أشهر عن استعداده لزيارة سوريا لحل أزمة اللاجئين، وهل الأمر ما زال مطروحا، اجاب: “تولدت لدينا قناعة، بأن عودة النازحين إلى بلادهم مرتبطة بقرار دولي كبير، وليست متوقفة على زيارة قد أقوم بها إلى سوريا. المجتمع الدولي يتعامل بخبث مع هذا الموضوع. يريد إبقاء قنبلة النازحين في البلدان المجاورة لسوريا، حتى لو أدى ذلك إلى انفجار اجتماعي وأمني واقتصادي في بلد كلبنان، ولا يريد أن يتقاسم أعباء النزوح مع هذه الدول، برغم الامكانات الضحمة التي يتمتع بها الكثير من دول أوروبا والولايات المتحدة”.
وعما اذا كان المجتمع الدولي اوفى بالتزاماته تجاه لبنان في ما خص هذه المسألة، قال: “منذ أعوام، كررنا موقفنا أكثر من مرة. إن كلفة ملف النزوح السوري الى لبنان تفوق قدرة بلدنا على التحمل. لقد صم المجتمع الدولي آذانه، ولم يأبه بالانهيار الذي يمكن ان يطاول بلدنا، لا بل كان يضغط علينا، ولا يزال، لنتحمل أعباء أكبر من قدرة لبنان على التحمل. وقد وصلنا مؤخرا الى ازمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة في تاريخنا، وأحد أسبابها الرئيسية هو تكبد لبنان، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي، نحو 30 مليار دولار نتيجة وجود أكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري على أراضيه. طبعاً تفاقمت أزمة لبنان نتيجة انتشار وباء كورونا، وبات على الحكومة ان تقر خططاً مالية لمساعدة من فقدوا أعمالهم، نتيجة الوباء من جهة، واليد العاملة السورية في لبنان، من جهة أخرى. فلو أوفى المجتمع الدولي بالتزاماته تجاهنا، لما وصلنا إلى هذا التدهور المريع”.
مجموعة الدعم الدولية
وعن تقييمه لعمل “مجموعة الدعم الدولية للبنان” في ظل الظروف الراهنة، أجاب: “لقد دعوت مجموعة الدعم الدولية الى اجتماع في القصر الجمهوري في 6 نيسان الماضي، ودعوتهم إلى دعم خطة الاصلاح التي تضعها الحكومة، لأن هذه الخطة تحتاج الى دعم الدول الصديقة والشقيقة ومجموعة الدعم من أجل تطبيقها. دول المجموعة سوف تناقش الخطة التي اقرها مجلس الوزراء لتقييمها واتخاذ القرارات المناسبة، وأتمنى أن تفي هذه الدول بالتزاماتها تجاهنا”.
مستقبل الاقتصاد اللبناني
وتطرق الرئيس عون الى مستقبل الاقتصاد اللبناني بعد اعلان لبنان عن وقف تسديد ديونه، والمعوقات التي ترافق اقرار خطة الانقاذ، موضحا أن “الخطة استغرقت وقتا، وهو أمر طبيعي لأننا نتحدث عن تراكمات عمرها 30 عاما اودت بالاقتصاد اللبناني والمالية العام الى الهاوية”، مضيفا: “لأكن صريحا، هناك أطراف سياسية لا يهمها انقاذ الوضع، بل تسجيل نقاط سياسية، وبالتالي ستنقض على الخطة فور اعلانها، وهذا امر مسيء، لأن الوحدة والتضامن اليوم مطلوبان أكثر من أي وقت مضى، وعلى الجميع أن يدركوا أننا في سفينة واحدة، والناس بلغوا ذروة الانفجار. وأي انفجار اجتماعي ستطاول شظاياه جميع القوى السياسية، وتهدد الاستقرار في لبنان. ولكن في النهاية أريد أن أكون واضحا وقاطعا في مسألة جوهرية، وهي أن الحكومة مصممة بشكل حازم على تنفيذ الخطة التي وضعتها، مهما كانت العراقيل والصعوبات. ونأمل جراء ذلك أن يبدأ لبنان مسيرة التعافي”.
وعما اذا كان رهان لبنان على النفط والغاز لإنقاذ اقتصاده ما زال في محله، اعتبر أن “النفط والغاز هما من ثروات لبنان التي اكتشفت أخيرا، ولنا الحق في الاستفادة منها، ولكن ليس صحيحا أننا نراهن على ثروتنا النفطية لإنقاذ الاقتصاد. انقاذ الاقتصاد يجب ان يتم اليوم قبل غد، اما ثروتنا النفطية فتحتاج الى سنوات لتؤتي ثمارها”، معتبرا “انه بالنسبة الى الانحدار التاريخي لأسواق النفط، فهذا أمر مرحلي مرتبط بانخفاض استهلاك المشتقات النفطية بسبب انتشار وباء كورونا، وستعود الأسواق الى الانتعاش مع الوقت، وبالتالي لا علاقة لثروتنا النفطية المستقبلية، بما يجري حاليا”.
مكافحة الفساد
وسئل رئيس الجمهورية ايضا عن السبيل الواقعي لمكافحة الفساد في لبنان فأكد “ان الخطوة الأولى والأساسية تكمن في إطلاق يد القضاء في ملاحقة كافة ملفات الفساد، ومحاسبة المسؤولين مهما علا شأنهم،، كاشفا أن “التدخل في عمل القضاء من قبل أهل السلطة في لبنان على مدى عقود، كان هو المعضلة الاساسية التي ادت الى التفلت من المحاسبة، وبالتالي نهب أموال الشعب”.
وقال: “نحتاج الى قضاة شجعان يواجهون الأمور، ويلبون رغبات الشعب بالمحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة. وبالتالي هدفنا الاساسي هو العمل على تحرير القضاء من الضغط السياسي، كي يستطيع القيام بمسؤولياته في ملاحقة المرتكبين والفاسدين الكبار الذين ينتمون إلى طبقة النافذين في الحياة السياسية. وقد بدأنا بالفعل بملاحقتهم بعدما نهبوا أموال الشعب والدولة. ويمكنني التأكيد أن النتائج قد بدأت بالظهور”.
المؤهل للخلافة
وردا على سؤال حول الحديث عن معارك انتخابية رئاسية انطلقت باكرا، ومن هو المؤهل لخلافتكم، وكيف تقيمون فرص النائب والوزير السابق جبران باسيل ليكون الرئيس المقبل للبنان، اجاب الرئيس عون: “ان الديمقراطية اللبنانية تعني أن رئيس الجمهورية ينتخب في مجلس النواب، وبالتالي هذا قرار يتخذه ممثلو الشعب. والمعارك الانتخابية التي ذكرتها، هي مجرد معارك أطلقها بعض السياسيين بمساعدة الاعلام لذر الرماد في العيون. أما بالنسبة إلى الوزير جبران باسيل، فهو رجل سياسي ومسؤول، وله خبرة طويلة في العمل السياسي، وفرصته بالوصول الى سدة الرئاسة متعلقة بخيار النواب، فهم سيختارون من يعتبرونه الأكثر أهلية لهذا المنصب، والأكثر تمثيلا”.
موجة احتجاجات جديدة
وردا على سؤال حول ما اذا كان لبنان سيشهد موجة احتجاجات جديدة وكيف سيتم التعامل معها، اعرب الرئيس عون عن امله في ان “يكون جميع المسؤولين والاحزاب السياسية في لبنان قد استوعبوا جيدا ان اللبنانيين قد انفجروا في وجه الفساد، وفقدان فرص العمل، ونهب مالية الدولة على مدى أعوام طويلة”.
وقال: “افهم ان الناس يريدون تغييرات سريعة وملموسة، لكن معالجة تداعيات الاعوام الثلاثين الماضية لن تحصل بين ليلة وضحاها. لقد دعوتهم في الماضي ليحافظوا على يقظتهم في مراقبة مسار الأمور، وها أنا أدعوهم مجددا إلى ذلك. ولكن لا يمكننا ان نطلب من حكومة لم يتجاوز عمرها المئة اليوم، ان تجترح المعجزات. وأخشى أن يتم استغلال نقمة الشارع من قبل بعض الأحزاب المستاءة من الأداء الجدي للحكومة، لتفجير الاحتجاجات. وفي كل الأحوال، لن نسمح بتفلت الأوضاع الأمنية، مع حفاظنا على حرية التظاهر والتعبير”.