بدء وصول المساعدة الدولية إلى لبنان بعد الانفجارين الدمويين في بيروت
كانت بيروت “المنكوبة” الأربعاء لا تزال تحت وقع الصّدمة غداة الانفجار الضخم الذي أودى بالعشرات وأسفر عن إصابة الآلاف وتشريد 300 ألف آخرين، فيما يُواصل رجال الإنقاذ محاولات العثور على ضحايا وسط الرّكام في مرفأ بيروت والمباني المدمّرة المحيطة.
ويزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان الخميس للقاء “جميع الأفرقاء السياسيّين”، حسب ما أعلنت الرئاسة الفرنسيّة. ويلتقي ماكرون نظيره اللبناني ميشال عون ورئيس وزرائه، في وقتٍ أرسلت فرنسا ثلاث طائرات محمّلة مساعدات إنسانيّة إلى لبنان.
ونتج انفجار بيروت، حسب السلطات، عن تخزين 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم داخل مستودع في مرفأ المدينة “من دون أيّ تدابير للوقاية”. ويُعتبر هذا الانفجار الأضخم في تاريخ لبنان الذي شهد سنوات شديدة الاضطراب منذ عقود.
وقرّرت الحكومة اللبنانيّة طلب فرض إقامة جبريّة على كلّ المعنيّين بملفّ نيترات الأمونيوم، تزامناً مع فتح تحقيق في الواقعة.
وأقرّ مجلس الوزراء الأربعاء إعلان حال طوارئ لأسبوعين في بيروت تتولّى خلالها “السلطة العسكريّة العليا فوراً صلاحيّة المحافظة على الأمن وتوضع تحت تصرّفها جميع القوى المسلّحة”.
وأتى الانفجار وسط أزمة اقتصاديّة خانقة لم يشهد لها لبنان مثيلاً في الحقبة الحديثة، ونقمة شعبيّة على كلّ الطبقة السياسيّة التي يتّهمها المواطنون بالعجز والفساد. وقد فجّر الانفجار غضباً متصاعداً تجلّى خصوصاً عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
وقال محافظ بيروت مروان عبّود الأربعاء لوكالة فرانس برس “إنّه وضع كارثي لم تشهده بيروت في تاريخها”.
وأضاف “أعتقد أنّ هناك بين 250 و300 ألف شخص باتوا من دون منازل، لأنّ منازلهم أصبحت غير صالحة للسّكن”، مقدّراً كلفة الأضرار بما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار، في انتظار صدور التقارير النهائيّة عن المهندسين والخبراء. وأشار المحافظ إلى أنّ “نحو نصف بيروت تضرّر أو تدمّر”.
وقال إيلي زكريا الذي يسكن حيّ مار مخايل القريب من المرفأ، مستذكراً ما حصل، “لا أعرف ماذا أقول… جحيم… لم نرَ في حياتنا مثل هذا. مشهد مروّع ومخيف”. وأضاف “كان الأمر أشبه بتسونامي أو هيروشيما”.
“مثل زلزال” –
دوّى الانفجار بُعيد السادسة مساء الثلاثاء (15,00 ت غ). وأشار مصدر أمني إلى وقوع انفجارين متتاليين.
وقال المعهد الأميركي للجيوفيزياء إنّ الانفجار سُجّل مثل زلزال بقوّة 3,3 درجات على مقياس ريختر.
وأفاد وزير الصحّة اللبناني حمد حسن في وقت سابق عن مقتل 113 شخصاً وإصابة أربعة آلاف آخرين على الأقلّ جرّاء الانفجار، مشيراً إلى وجود عشرات المفقودين.
وغداة إعلان رئيس الحكومة حسان دياب أن المستودع كان يحوي 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم، طلبت الحكومة من السلطة العسكرية فرض “الإقامة الجبرية” على “كل من أدار شؤون تخزين مادة الأمونيوم وحراستها ومحّص ملفاتها”، تزامناً مع فتح تحقيق قضائي بالموضوع.
وأعلنت نيابة باريس الأربعاء أنّها فتحت تحقيقاً في التسبب بـ”جروح غير متعمّدة” بعد إصابة 21 فرنسيّاً في الانفجار.
المشهد مأسوي في مكان الانفجار الذي هزّ كلّ لبنان وصولاً إلى جزيرة قبرص على بعد 200 كلم؛ ركام، وبقايا دخان حرائق، وعنابر لم تعد موجودة.
وعمل رجال الإنقاذ بدعم من عناصر الأمن طوال ليل الثلاثاء الأربعاء بحثا عن ناجين أو ضحايا عالقين تحت الأنقاض. ووصلت المستشفيات التي تتعامل مع الإصابات بوباء كوفيد-19، إلى أقصى طاقاتها الاستيعابية. وجال مصابون على مستشفيات عدّة لم تستطع استقبالهم.
وكانت معظم شوارع العاصمة الأربعاء مغطاة بحصى وزجاج وأوراق وأغراض طارت من المكاتب التي تحطمت أبوابها ونوافذها. كما تبعثرت سيارات محترقة هنا وهناك. ووصلت الأضرار إلى الضواحي وإلى مناطق بعيدة نسبياً عن مكان الانفجار.
وأعلن رئيس الحكومة الحداد الوطني ثلاثة أيّام على “ضحايا الانفجار”.
وكان مصدر أمني قال لفرانس برس إنّ المواد الموجودة في المستودع مصادرة منذ سنوات من باخرة في مرفأ بيروت، وموضوعة في “العنبر رقم 12 في المرفأ”، مشيراً إلى أنه لم تتمّ “متابعتها بالشكل المطلوب”.
ويدخل الأمونيوم في تركيبة مواد شديدة الانفجار.
وعرض وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو الأربعاء، في مكالمة هاتفيّة مع رئيس الوزراء اللبناني حسّان دياب، مساعدة لبنان.
وعقب يوم من الانفجار، استبعد وزير الدفاع الأميركي مارك اسبر أن يكون الأمر نتيجة قنبلة، وذلك خلافاً لما كان قاله الرئيس دونالد ترامب الثلاثاء. وتبنّى إسبر عوض ذلك رواية السلطات اللبنانيّة التي قالت إنّ الانفجار نتج عن تخزين 2750 طنّاً من مادّة نيترات الأمونيوم بمستودع في مرفأ بيروت.
وبدا واضحاً أنّ الإهمال هو السبب الأول للانفجار، ما أثار غضب اللبنانيين الذين يتداولون على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ “علقوا_المشانق”، مطالبين بمحاسبة جميع المسؤولين.
وفي مقدّمة مدوية لبرنامجه التلفزيوني “صار الوقت” الذي تتابعه شريحة واسعة من اللبنانيين، قال الإعلامي المعروف مارسيل غانم مساء الثلاثاء “من رئيس الجمهورية (…) المفروض أن يقدّم الليلة استقالته، إلى رئيس الحكومة، إلى رئيس مجلس النواب، إلى النواب، إلى الوزراء.. كلكم يعني كلكم.. من كبيركم إلى صغيركم”.
مساعدات –
بدأت المساعدات الطبّية العاجلة والمستشفيات الميدانيّة الوصول إلى لبنان الأربعاء، بعدما هرعت دول العالم إلى عرض مساعداتها وتقديم تعازيها إثر الانفجار.
وأعلن البنك الدولي الأربعاء استعداده لحشد موارده لمساعدة لبنان، حسب بيان صادر عنه الأربعاء.
وأبدت منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) الأربعاء خشيتها من حصول “مشكلة في توفر الطحين” في لبنان “في الأجل القصير” بعدما أتى الانفجار على اهراءات قمح.
وبعد ظهر الأربعاء، جمع رئيس الحكومة الفرنسي جان كاستيكس الوزراء الأساسيين في حكومته والمعنيّين بـ”تنسيق كلّ المساعدات ومواد الإغاثة” إلى بيروت.
ووصلت إلى بيروت الأربعاء مساعدات من الكويت، بينما قامت فرق في قاعدة العديد الجوية في قطر بتحميل أسرة قابلة للطيّ ومولّدات، إضافة إلى معدات طبّية أخرى على متن طائرة شحن قطريّة، هي واحدة من أربع طائرات ستصل لبنان.
وعرضت ألمانيا أيضا تقديم المساعدة. من جهتها، بعثت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية رسالة تعزية إلى الرئيس اللبناني عبّرت فيها عن “حزنها الشديد” لما حصل في بيروت.
وأمر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الأربعاء بتجهيز مستشفى عسكري ميداني لإرساله إلى لبنان.
وستُرسل الجزائر إلى لبنان أربع طائرات وباخرة تحمل مساعدات إنسانيّة وفرقًا طبّية ورجال إطفاء وأغذية ومواد بناء، حسب ما أعلنت الرئاسة الجزائريّة في بيان مساء الأربعاء.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي افتتاح مستشفى ميداني في العاصمة اللبنانية.
وأعلنت السلطات الهولنديّة أنّها أرسلت 67 عامل إغاثة إلى بيروت بينهم أطباء ورجال شرطة ورجال إطفاء.
وتعهد الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان “تقديم مساعدات إنسانية في جميع المجالات، ولا سيما في المجال الصحي”.
ودعا البابا فرنسيس إلى “الصلاة من أجل الضحايا وعائلاتهم ومن أجل لبنان”.
وقدّمت روسيا والإمارات العربية المتحدة وسوريا والكويت ومصر والجامعة العربية والأردن والعراق التعازي بالضحايا، فيما أكّدت إيران دعمها لبنان.