منسية لنصف قرن.. حبة نادرة يمكن أن تنقذ صناعة القهوة بسيراليون
لى بعد حوالي 200 ميل جنوب شرق عاصمة سيراليون، قام الباحث الزراعي دانييل سارمو باكتشاف في تلال كامبوي الرطبة وشديدة الانحدار.
وفي عام 2018، كان سارمو وباحثان من حدائق”كيو” الملكية النباتية بالمملكة المتحدة في مهمة للعثور على قهوة ستينوفيلا المفقودة منذ فترة طويلة في سيراليون.
ولم يُشاهد نبات البن الأفريقي الغربي النادر في البرية هناك منذ عام 1954، رغم أنه رُصد بشكل متقطع في غينيا وساحل العاج على مر السنين.
وجددت إعادة اكتشاف هذه القهوة في سيراليون آمالاً في إمكانية زراعة المحصول غير المألوف وإنتاجه تجارياً، مع المساعدة في إحياء صناعة البن بالبلاد، والتي دُمرت جراء 11 عاماً من الحرب الأهلية.
ويقول سارمو لـCNN: “يمكن للقهوة أن تغير الحكاية بالنسبة لمزارعينا”.
نبتة معاد اكتشافها
وبعد اكتشاف حديقة برية تضم حوالي 15 نبتة من نباتات الستينوفيلا، التي تنمو في التلال، جمع فريق البحث عينات للاختبار.
وفي دراستهم الجديدة التي نُشرت هذا الشهر، تم التأكيد على أن قهوة ستينوفيلا هي ذات جودة عالية ونكهة ممتازة، حيث تضاهي أفضل أنواع حبوب قهوة أرابيكا.
ويقول جيريمي هاغار، عالم البيئة الزراعية في جامعة “غرينتش” في المملكة المتحدة وأحد الباحثين الذين أعادوا اكتشاف قهوة ستينوفيلا مع سارمو: “تهتم أسواق القهوة كثيراً بأي شيء مختلف، لا سيما إذا كان يتمتع بنكهة جيدة.. من المحتمل جداً أن يهتم بها سوق القهوة المتخصصة، وقد يدفعون أسعاراً مرتفعة للغاية”.
ويمكن أن ينمو نبات ستينوفيلا بشكل مريح في درجات حرارة أعلى من حبوب قهوة أرابيكا، تصل إلى 6.8 درجة مئوية، والتي يقول هاغار إنها يمكن أن توفر للصناعة شريان حياة محتمل في عالم يزداد احتراراً.
ورغم أن هذه أخبار جيدة لسيراليون، التي تحتل موقع الصدارة في إحياء ستينوفيلا، إلا أنه لا يزال هناك طريق طويل قبل أن تشق هذه الحبة النادرة طريقها إلى فناجين القهوة لدينا.
ويحتاج النبات البري إلى التدجين وإجراء مزيد من الدراسة لتطوير استراتيجيات أفضل للنمو والإدارة.
قهوة مرغوبة
ولم تكن قهوة ستينوفيلا دائماً سلعة نادرة.
وبينما يقول الباحثون إن 99٪ من القهوة التي نستهلكها اليوم تتكون من أرابيكا وروبوستا، يوجد بالفعل 124 نوعاً من القهوة.
ويقول سارمو: “في تسعينيات القرن التاسع عشر، كانت قهوة ستينوفيلا هي المهيمنة على السوق”.
ويُذكر أن هذه كانت القهوة المفضلة لدى الفرنسيين، حيث تم تداولها بشكل متكرر حتى عشرينيات القرن الماضي.
ولكن في خمسينيات القرن الماضي، تم تقديم قهوة روبوستا إلى سيراليون من قبل البريطانيين. ويعد نبات الروبوستا أكثر إنتاجية ولكنه أقل جودة بشكل عام.
ومع بيع النوعين بالسعر نفسه، بدأ المزارعون في استبدال المحصول القديم الأصلي. وبمرور الوقت، تم نسيان قهوة ستينوفيلا.
وفي هذه المرحلة، كانت القهوة أكثر أهمية لاقتصاد سيراليون من الكاكاو، الذي يُعد اليوم أحد أكبر صادرات البلاد. وحتى عام 1991، كانت سيراليون تصدر ما يصل إلى 25 ألف طن من القهوة سنوياً.
لكن في ذلك العام، امتد الصراع في دولة ليبيريا المجاورة بقيادة تشارلز تيلور إلى سيراليون، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية استمرت 11 عاماً.
ويقول سارمو إن المزارعين هجروا الحقول واختفت صناعة البن.
ثقافة قهوة جديدة
وعندما انتهت الحرب الأهلية رسمياً في عام 2002، اضطرت العديد من الصناعات الزراعية في سيراليون أن تبدأ من جديد.
ولم يتعاف قطاع البن أبداً، حيث انخفضت الصادرات السنوية إلى حوالي ألفين طن متري، بينما صدّرت إثيوبيا، وهي أكبر منتج في القارة، 234 ألف طناً مترياً العام الماضي.
وربما لهذا السبب، لم تطور سيراليون ثقافة القهوة الفريدة الخاصة بها مثل بعض البلدان الأخرى المنتجة للبن. وبدلاً من شرب المنتجات المحلية، يمكن رؤية السكان المحليين يشربون القهوة سريعة التحضير من العلامات التجارية المستوردة مثل “نسكافيه”.
ومع ذلك، بدأت هذه الثقافة في التغير، كما تقول هانا تراولي، مؤسسة “Coffee Courier”، وهي شركة منتجة للقهوة.
وبدأت تراولي في تحميص حبوبها يدوياً في عام 2015، قائلة إنها كانت واحدة من أوائل الشركات في البلاد التي فعلت ذلك. وتقوم علامتها التجارية، التي تعرف باسم “Salone Coffee”، اليوم بالتصدير إلى ليبيريا وتأمل أن تدخل السوق الأوروبية قريباً.
وفي عام 2020، افتتحت تراولي أول مقهى لها في العاصمة فريتاون، وهو أحد المقاهي الأولى المتخصصة بالبلاد، ما يعتبر مؤشراً على تغير موقف الناس تجاه المنتجات المحلية.
وتراولي ليست الوحيدة التي تفتتح سوقاً محلياً للمشروبات التقليدية، حيث يعد كشك “Aromatic Coffee” من أوائل الأكشاك في مدينة فريتاون. ويعمل “Nina’s Coffee”، وهو مقهى آخر في المدينة، على تحميص حبوبه يدوياً بالمنزل.
وعندما تصبح متوفرة تجارياً، يمكن أن تعزز قهوة ستينوفيلا التي أعيد اكتشافها مشهد القهوة المزدهر، وهو مشهد تأمل تراولي أن يشارك فيه جميع سكان سيراليون.
وتقول: “نحن لا نستهدف سوقاً دولياً فحسب، بل نحتاج إلى استهداف بلدنا.. نحن بحاجة إلى استهداف الشخص العادي في سيراليون الذي يمكنه شرب القهوة، وجعلها جزءاً منا جميعاً”.