مصير غامض يلف جوائز «غولدن غلوب» وهوليوود والأنظار تتجه الى الأوسكار
صدمت شبكة «إن بي سي» صناعة الأفلام بداية الأسبوع الماضي عندما أعلنت عن إلغائها بث حفل توزيع ثاني أهم الجوائز السينمائية بعد الأوسكار، وهي جوائز «غولدن غلوب» العام المقبل، وذلك بعد تعرض مصوتوها، أعضاء جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية، لاتهامات بالعنصرية والفساد وعدم الشفافية في سلسلة مقالات بدأت جريدة «لوس أنجليس تايمز» بنشرها منذ شهر فبراير/شباط الأخير، تداولتها وسائل الإعلام وأثارت اهتمام مسؤولي هوليوود ونجومها، الذين صاروا يطالبون الجمعية بتعديلات فورية من أجل البقاء على قيد الحياة.
وقام بعضهم مثل مارك رافالو وسكارليت يوهانسون بنشر تغريدات استنكار لأعضاء الجمعية، بينما أعلن توم كروز عن إعادة جوائزه.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إلغاء بث حفل جوائز «غولدن غلوب»، فقد ألغي عام 1968 بعد الكشف عن تلاعب في التصويت للجائزة.
وفي عام 1982 بعد أن تبين أن المصوتين قبلوا رشوة من زوج ممثلة وهي بيا زدورا، فازت بغولدن غلوب أفضل نجمة جديدة.
وبعد ستة أعوام، استلم الحفل المنتج التلفزيوني الشهير ديك كلارك، وقام بتعديلات ساهمت في تحسين سمعة الجوائز ونتج عنها إبرام عقد مع شبكة «إن بي سي» لبثها، فوصل عدد مشاهدي حفل توزيعها إلى ذروته عام 2004 بأكثر من ستة وعشرين مليونا، لدرجة أن البعض صار يتكهن بتفوقها على جوائز الأوسكار، التي كانت تواجه اتهامات بعدم التعددية، تفاقمت عام 2015 مع اندلاع حملة «الأوسكار بيضاء للغاية» عندما غاب الملونون عن ترشيحاتها، فقامت أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة الأمريكية برفع نسبة الملونين بين أعضائها من سبعة الى تسعة عشر في المئة.
خلافاً للأكاديمية، التي تضم ما يقارب عشرة آلاف عضو مهني من صناعة الأفلام، معظمهم من الأمريكيين، فان جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية مكونة من سبعة وثمانين صحافياً يعملون في مجال الترفيه في هوليوود لحساب وسائل إعلام خارج الولايات المتحدة، غالبيتهم من أوروبا وما يقارب خمسة وثلاثين في المئة من آسيا وأفريقيا وأستراليا. لهذا كانت ترشيحاتهم عادة تتسم بالتعددية.
لكن بداية هذا العام واجهت جوائز «غولدن غلوب» حملة شرسة ضدها بسبب غياب بعض الأفلام والبرامج التلفزيونية السوداء من ترشيحاتها، مثل فيلم سبايك لي «ذا فايف بلادس» والمسلسل البريطاني «ربما اقتلك».
وتحولت تلك الحملة الى اتهامات بالعنصرية، بعد أن تبين أنه لا يوجد عضو أسود بين المصوتين، ما أسفر عن مقاطعة مدراء العلاقات العامة للنجوم لهم.
التعددية
تلك المقاطعة صدمت أعضاء الجمعية ووضعت وظائفهم في خطر، إذ ليس بإمكانهم ممارسة عملهم الصحافي دون إجراء مقابلات مع النجوم، فعينوا خبيراً أسود متخصصاً في التعددية لكي يرشدهم إلى تحقيق التعددية بينهم، وأعلنوا عن نيتهم تجنيد 13 عضواً أسود قبل نهاية هذا العام.
من المفارقة أن ترشيحات ««غولدن غلوب»» ما زالت أكثر تعددية من ترشيحات الأوسكار.
ففي فئة أفضل ممثل، منحت ««غولدن غلوب»» لممثل أسود وهو تشادويك بوزمان، بينما ذهبت الأوسكار لممثل أبيض وهو أنطوني هوبكينز.
كما ذهبت «غولدن غلوب» أفضل ممثلة لسوداء وهي أندرا دي، بينما منحت الأوسكار لممثلة بيضاء وهي فرانسيس ماكدورماند.
وفي فئة أفضل إخراج رُشحت مخرجة سوداء، رجينا كينغ، للمرة الثانية للغولدن غلوب (الأولى كانت ايفا ديفورني عن فيلم «سلما» عام 2016) بينما حرمت من ترشيح للأوسكار واستبدلت بمخرج أبيض وهو الدنماركي توماس فينتربرغ.
كما نال «الموريتاني» وهو أول فيلم هوليوودي يطرح تجربة معتقل غوانتامو من منظور مسلم، ترشيحي غولدن غلوب لبطليه طاهر رحيم وجودي فوستر، التي فازت بجائزة أفضل ممثلة مساعدة، بينما تجاهلته جوائز الأوسكار.
جوائز ««غولدن غلوب»» كانت أيضاً أكثر إنصافاً للعرب. فقد منحت الجائزة لممثل عربي وهو عمر الشريف مرتين في عام 1962 عن دوره في «لورنس العرب» وعام 1965 عن بطولة «دكتورزيفاغو». أما جوائز «الأوسكار» فلم تكرم ممثلاً عربياً حتى عام 2018 وهو رامي مالك عن بطولة «بوهيميان رابسودي» حيث نالها بعد فوزه في ««غولدن غلوب»» عن الدور ذاته، كما أن جوائز الأوسكار لم تكرم فيلماً عربياً بجوائزها، بينما فاز فيلم هاني أبو أسعد «الجنة الآن» بـ»غولدن غلوب» أفضل فيلم بلغة أجنبية عام 2007.
وفي الأعمال التلفزيونية، سلطت الـ»غولدن غلوب» الضوء على مسلسل المنتج الأمريكي – المصري سام إسماعيل «السيد روبوت» ومنحته جائزة أفضل مسلسل تلفزيوني، وأفضل ممثل في مسلسل درامي لبطله رامي مالك، بعد أن تجاهلته جوائز «الإيمي» التي أيضاً تجاهلت أول مسلسل تلفزيوني أمريكي مسلم وهو «رامي» ولم ترشحه إلا بعد أن فاز مؤلفه وبطله رامي يوسف بـ»غولدن غلوب» أفضل ممثل في مسلسل تلفزيوني.
«الترشيح للغولدن غلوب بث روح الحياة في المسلسل» يقول رامي. « كان الترشيح بمثابة ميكرفون ضخم أوصل المسلسل لملايين الناس في كل أنحاء العالم. لا أعتقد أنه كان بإمكاننا الحصول على عقد موسم ثان دون الترشح للغولدن غلوب، لهذا أنا ممتن جداً لهذا الترشيح والفوز كأفضل ممثل.»
الآسيويون كانوا أيضاً أكثر حظاً في جوائز «غولدن غلوب» من جوائز الأوسكار. ففي عام 2019 رُشح فيلم «آسيويون أغنياء بجنون» لجائزتين، وتلاه فيلم «الوداع» عام 2020 بترشيحين وفوز بجائزة أفضل ممثل في فيلم كوميدي لبطلته اكوافينا.
ومع ذلك تواجه الجوائز وترشيحاتها السخرية كل عام، حتى أن مضيف حفلها الكوميدي البريطاني، ريكي جرفيس، سخر منها من على منصة حفل توزيعها.
لكن في حديث معه، قال لي إنه سخر أيضا من نجوم هوليوود من على المنصة نفسها. «أنا كوميدي: وظيفتي هي السخرية من الأشخاص ذوي النفوذ» أضاف جرفيس، الذي نال ثماني ترشيحات للجائزة، أولها كان عام 2003 عن مسلسله «المكتب» الذي أيضا فاز بها. وتلاها بترشيحات أخرى لمسلسله «إكسترا» الذي أيضاً فاز بالجائزة، وترشيح آخر لمسلسل «ديريك».
«الفوز ب«غولدن غلوب» فتح لي أبواب هوليوود». يقول جرفيس. «بعد يوم من فوز «المكتب» بغولدن غلوب أفضل مسلسل تلفزيوني، وفوزي بغولدن غلوب أفضل ممثل في كوميديا، حصلت على عقد كتابة حلقة من حلقات برنامج «سيمسونز» وفي اليوم التالي حصلت على دور في فيلم «آلياس» مع المخرج جي جي إبراهام، الذي كان من معجبي المكتب، وبعد ذلك مضيت عقداً لصنع نسخة أمريكية للمكتب. وكل ذلك في أسبوع واحد. لهذا أنا ممتن جدا للغولدن غلوب».
جمعية هوليوود للصحافة
عدة دراسات كشفت أن ترشيح فيلم للغولدن غلوب يعزز من إيراداته بنسبة تصل الى ثلاثين في المئة في شباك التذاكر، بينما يرفع الفوز بها دخله بمعدل أربعة عشر مليون دولار. كما يرفع ترشيح مسلسل تلفزيوني نسبة مشاهديه وأحياناً ينقذه من إلغاء محتم. لهذا إلغاؤها قد يسفر عن خسارات فادحة للإستديوهات التي تقاطعها، لا سيما أنها تواجه أزمة اقتصادية عقب أزمة كوفيد-19.
بعد مرور ثلاثة أشهر من اندلاع الأزمة، فشلت جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية في إيجاد صحافي أسود في هوليوود، فأعلنت بداية شهر مايو/أيار عن إصلاحات تضمنت توسيع بحثها عن صحافي أسود في كل أنحاء الولايات المتحدة، لكن ذلك لم يرض شركات مديري العلاقات العامة التي استمرت في مقاطعتها.
من المفارقات أن تلك الشركات تفتقر للتعددية التي تطالب بها، فمنذ أن وصلتُ إلى هوليوود، أي قبل خمسة عشر عاماً، لم ألتق بمدير علاقات عامة أسود من بين المئات الذين تعاملت معهم. كما كشفت إحصائيات أن حقل العلاقات العامة هو الأقل تعددية في هوليوود.
جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية أصيبت بالهلع بعد إلغاء حفلها. وصارت إدارتها تعمل على مدار الساعة للقيام بالإصلاحات التي وعدت بها وإيجاد أعضاء سود.
من المفارقات أن أكثر المتضررين من إلغاء جوائز «غولدن غلوب» هم المواهب الجديدة وتحديداً مواهب الملونين وليس نجوم هوليوود، الذين يقاطعونها.